متقاضون بمكناس يطعنون في حكم قضائي بعدما اكتشفوا أن الهيئة القضائية لها مصلحة في الملف موضوع النزاع

وتعود تفاصيل هذا الملف الشائك إلى عدة عقود من الزمن، حين عُين " أمحارش المختار بن حمو" الباشا السابق بمكناس أيان عهد الاستعمار رئيسا لعائلة أمحارش وفقا للقانون العرفي الأمازيغي الذي كان سائدا آنذاك في قبيلة بني مطير، وفق عقد موثق بالمحكمة العرفية بالحاجب سنة 1937، والذي تم بموجبه تسجيل كل ممتلكات العائلة في اسمه الخاص، قبل أن يُصدم كل أفراد العائلة بظهير 27 مارس 1958 القاضي بمصادرة ممتلكات مجموعة من الشخصيات من بينهم الباشا المختار بن حمو، وهو ما تم بالفعل، حيث صودرت كل ممتلكات العائلة، لتتحول بذلك حياتهم إلى جحيم لا يطاق، وهو ما دفع بهم إلى رفع دعوى قضائية، تم تسجيلها بالمحكمة الابتدائية بمكناس، للمطالبة بممتلكاتهم المشروعة التي تمت مصادرتها عن طريق الخطأ، حيث أن ظهير 27 مارس 1958 يشير فقط إلى مصادرة الأملاك والممتلكات التي تم كسبها عن طريق الشطط في استعمال السلطة واستغلال النفوذ، في حين أن العقار موضوع الدعوى ذي السند العقاري 1683/ك الكائن بالحاجب والبالغ مساحته 1300 هكتار، لا يملك منه الباشا المذكور إلا السدس من مجموع ممتلكات عائلة أمحارش.

وتبعا لتطورات الأحداث في ملف المصادرة هذا، صدرت وثائق عن الدولة المغربية في شخص مجموعة من الإدارات العمومية -تتوفر "الأحداث المغربية" على نسخ منها-،  تطلب من أفراد عائلة أمحارش الحضور إلى مقراتها قصد تسوية وضعية العقارات العالقة بعدما اعتُرف لها بملكيتها، خصوصا وأن الدولة المغربية قد صادرت مجموع الأملاك عوضا عن الاقتصار على نصيب الباشا المختار بن حمو، والتي من بينها المراسلة عدد 3418 الصادرة عن مدير الأملاك المخزنية بمكناس بتاريخ 8 أكتوبر 1968، يطلب من خلالها أفراد عائلة أمحارش الحضور إلى مقر المفتشية قصد تلقي إفادة تتعلق بإرجاع ممتلكات اعترف لهم بملكيتها، والمراسلة التي بعث بها رئيس مصلحة الأملاك المخزنية بالرباط سنة 1976 إلى السيد "السيريني بنعيسى" نائب الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بالرباط آنذاك، يخبره فيها، أن قرار المصادرة لم يشمل سوى 6/1 من ممتلكات عائلة أمحارش، وضمنها الملك المسمى "تيزي ودان" ذي الرسم العقاري 1683/ك.

أيضا محضر الاجتماع المؤرخ يوم 13 أبريل من سنة 1993 بعمالة الحاجب، والذي تم بأمر من عامل الإقليم وبحضور رؤساء جميع القطاعات المتدخلة بما فيها ممثل دائرة الأملاك المخزنية بمكناس، للنظر في تقسيم العقار المذكور، وتحديد نسبة السدس العائدة للدولة المغربية، وعزلها عن حصة ذوي الحقوق من عائلة أمحارش، والمقدرة في 6/5 من مجموع العقار.

وكانت المحكمة الابتدائية بمكناس قد فتحت تسع ملفات في الموضوع، وقررت بعد اطلاعها على كافة الوثائق والمستندات المقدمة من قبل العارضين الحكم لصالح ورثة أمحارش والقول باستحقاقهم للعقار المذكور، معتبرة أن الوثائق المُشار إليها تشكل اعترافا صريحا صادرا عن الدولة، بما فيها إدارة الأملاك المخزنية نفسها، والتي تعترف من خلالها بأحقية هؤلاء في 6/5 من مجموع ممتلكات عائلة امحارش.

وهو القرار الذي تم استئنافه من قبل إدارة الأملاك المخزنية، وألغته محكمة الاستئناف بذات المدينة، مما دفع بالمتضررين إلى سلك مسطرة الطعن بالنقض، والتي لا زالت سارية إلى حدود الساعة، خصوصا بعدما تبين لهم مكتب الودادية الحسنية للقضاة بالدائرة القضائية مكناس قد وضع طلبا للحصول على ودادية سكنية في العقار موضوع الدعوى "1683/ك"، وهو ما أثار الشك والريبة لدى هؤلاء حول قرار الإلغاء الذي شمل ملفاتهم، اعتبارا لكون الهيئة القضائية أصبحت طرفا، له مصلحة في الملف، والتي كان عليها أن تثير التجريح من تلقاء نفسها قطعا لكل ما يمكن أن يثار حول هذا أو ذاك.

وأمام هذا الإشكال القانوني الصرف، مازال المتضررون ينتظرون ما ستسفر عنه قرارات وزير العدل والحريات ومحكمة النقض في الموضوع.